• أسواق الذهب في مقدمة المتضررين بإنهاء التيسير الكمي الأمريكي

    03/11/2014

    ​تتوزّع على 11 مساهمة .. اثنتان منها في طريقهما للتصفية أسواق الذهب في مقدمة المتضررين بإنهاء التيسير الكمي الأمريكي
     
    النمو الأمريكي المحقق بلغ 3.5 في المائة بنهاية الربع الثالث.
     
     
     

    بعد ستة أعوام من التطبيق المتواصل، وإنفاق نحو 3.5 تريليون دولار (خُمس قيمة الناتج الأمريكي السنوي من السلع والخدمات) على شراء السندات، قررت جانيت يلين رئيسة المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وقف العمل ببرنامج التيسير الكمي الذي أطلقته الإدارة الأمريكية مع اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 في محاولة لإنقاذ الاقتصاد القومي ومنعه من مزيد من التدهور.
    والمرة الأخيرة التي سيقوم بها "الفيدرالي الأمريكي" بشراء سندات وفقا لجنيت يلين ستكون هذا الشهر، لكنها تعهدت أيضا بالإبقاء على سعر الفائدة منخفضا.
    ويقول لـ "الاقتصادية" الدكتور بوال جوردون رئيس قسم الاقتصاد الدولي في المعهد الأوروبي للأبحاث الاقتصادية، "إن القرار يعكس تغيرا جوهريا في السياسة المالية الأمريكية المتبعة منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية، والدافع لاتخاذه هو التحسن الذي طرأ على الاقتصاد الأمريكي، خاصة سوق العمل، بما يعنيه ذلك من توافر دخول لدى المواطن الأمريكي لتمويل استهلاكه.
    وأضاف جوردون، أن "التوقعات كانت تشير إلى معدل نمو 3 في المائة خلال الربع الثالث من هذا العام، إلا أن المحقق كان 3.5 في المائة، وقد دفع هذا التحسن "الفيدرالي الأمريكي" إلى تقليص برنامج التيسير الكمي من 85 مليار دولار شهريا إلى 15 مليارا".
    وأشار إلى أن الإلغاء لا يعني أن السياسة المالية الأمريكية أصبحت محكمة، فأسعار الفائدة التي يقرض بها مجلس الاحتياطي الأمريكي المصارف لا تزال تراوح بين 0 – 0.25 في المائة وهي نسبة منخفضة توضح أن الشفاء التام للاقتصاد لم يتم بعد.
    وكانت أسواق الذهب العالمية أحد أبرز المتأثرين بالقرار الأمريكي، فقد انخفضت أسعار المعدن الأصفر في البورصات الأوروبية بنحو 2.8 في المائة للأونصة، وتراجعت الأسعار على المستوى الدولي لأدنى مستوى لها خلال السنوات الأربع والنصف الماضية، ويرجع ذلك إلى انتعاش الدولار الأمريكي مع إلغاء برنامج التيسير الكمي.
    وأشار دان روجر المحلل الاقتصادي في مجلس الذهب العالمي لـ "الاقتصادية"، إلى أن الريح الآن معاكسة في أسواق الذهب العالمية، فقرار "الفيدرالي الأمريكي" عزز من قوة الدولار، وأثار توقعات بأن معدل الفائدة سيرفع في أمريكا، ولهذا يرغب المشترون الآن في اقتناص الفرصة وتحويل مدخراتهم للدولار الأمريكي الذي سيأخذ في الارتفاع خلال الفترة المقبلة، على أمل تحقيق مكاسب من ذلك.
    وقال روجر "إن الأمر أيضا بالنسبة للذهب ازداد سوءًا، لأن البنك المركزي الياباني زاد من سياسة التيسير الكمي لديه على أمل أن يشجع ذلك على خروج اليابان من أزمتها الاقتصادية، وهذا القرار عزز قيمة الدولار، وأضعف شهية المدخرين والمستثمرين أن يكون الذهب ملجأ آمنا بالنسبة لهم، لكن وجهة النظر السلبية تجاه أسعار الذهب الراهنة لا تعني من وجهة نظر البعض أن هذا الوضع سيدوم لوقت طويل".
    تيم بروجون الرئيس التنفيذي السابق لرابطة السبائك والمعادن النفيسة يعتقد أن أسعار المعدن الأصفر لن تواصل الانخفاض لوقت طويل قبل أن ترتد مرة أخرى في اتجاه الارتفاع.
    وأضاف لـ "الاقتصادية"، أن "انخفاض أسعار الذهب الآن حالة مؤقتة وعابرة، وإذا ما واصلت الأسعار التراجع فإن المناجم الحدية (المنتجة للذهب ولكن بتكلفة مرتفعة) ستخرج من عملية الإنتاج، وسيتراجع العرض، ومن ثم تأخذ الأسعار في الارتفاع من جديد، وأضف إلى ذلك أن المعدن النفيس ومع انخفاض أسعاره قد يفقد جاذبيته بالنسبة لصغار المستثمرين، لكن بالنسبة للصناديق السيادية وصناديق التحوط وكبار المستثمرين فإن انخفاض الأسعار فرصة لاقتناء المزيد استعدادا للبيع عند ارتفاع الأسعار".
    الأسواق الناشئة أيضا أحد أبرز الجهات التي تراقب تداعيات القرار الأمريكية وتأثيره في الاستثمارات الأجنبية لديها، فعديد من المسؤولين في بلدان الاقتصادات الناشئة يتخوفون علانية من أن يؤدي إلغاء برنامج التيسير الكمي الأمريكي، ورفع أسعار الفائدة مستقبلا إلى خروج الاستثمارات الأجنبية من أراضيها وتصفية أعمالها والتوجه إلى واشنطن.
    إلا أن الدكتورة دورثي كيفين الاستشارية في صندوق النقد الدولي تعتبر أن تلك المخاوف مشروعة، ولكنها مبالغ فيها، وتقول لـ "الاقتصادية"، "إن إلغاء برنامج التيسير الكمي الأمريكي تم تدريجيا، ففي كانون الثاني (يناير) الماضي أي قبل 11 شهرا أعلنت جانيت يلين أنه سيتم وقف البرنامج، ولهذا فإن وزراء مالية بلدان الاقتصادات الناشئة كان لديهم وقت كاف لاتخاذ التدابير المطلوبة للتعامل مع الوضع عند إغلاق البرنامج الأمريكي، يضاف إلى ذلك أن رفع معدلات الفائدة في أمريكا سيتم تدريجيا وستظل معدلات الربحية في الأسواق الناشئة أعلى على الأقل في المراحل الأولى من رفع معدلات الفائدة الأمريكية، ومن ثم تمثل عنصر جذب للمستثمرين الأجانب في الأسواق الناشئة لمغادرتها.
    وعلى الرغم من أن تنفيذ قرار "الفيدرالي الأمريكي" بوقف برنامج التيسير الكمي لم يبدأ بعد، إلا أن حالة من الترقب الشديد تنتاب البورصات العالمية حول تأثير تنفيذ القرار في أسواق الأسهم عند البدء في تنفيذه، فبرنامج التيسير الكمي الراهن هو الثالث من نوعه وقد سبقه برنامجان.
    وتشير التجربة إلى أن أسواق الأسهم العالمية أخذت في التراجع لمدة أربعة أسابيع متتالية جراء وصول البرنامجين السابقين إلى نهايتهما، وعندما توقفت البورصات عن التراجع كانت الأسهم قد خسرت نحو 30 في المائة من قيمتها، وعندما تحسنت فإنها لم تتحسن بأكثر من 12 في المائة فهل تتكرر نفس المأساة هذه المرة أيضا"؟
    وتوقع آي دبليو راين من مجموعة مورجان ستانلي، أن تنخفض أسعار الأسهم مع بدء إلغاء برنامج التيسير الكمي، لكنها لن تنخفض بذات المعدلات الحادة كما حدث في المرتين السابقتين، إضافة إلى أن الانخفاض لن يدوم طويلا.
    وحول أسباب هذا التفاؤل يجيب أنه "في المرتين السابقتين لم يكن الاقتصاد الأمريكي في وضع جيد، وهذه المرة جاءت معدلات النمو في أمريكا أعلى من التوقعات، ثانيا في المرتين السابقتين كانت الأسواق على علم بأن مرحلة من التيسير الكمي انتهت ومرحلة جديدة ستنطلق، والأسواق تعلم أن "فكرة" دعم الاقتصاد الأمريكي عبر التيسير الكمي انتهت تماما وعليها التأقلم مع الوضع الجديد.
    ومع هذا فإن عددا من الاقتصاديين البريطانيين لا تزال توقعاتهم سلبية تجاه المستقبل، معربين عن قناعتهم بأن الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي لم يتعاف بشكل تام ليتخذ "الفيدرالي الأمريكي" هذا القرار بإلغاء التيسير الكمي. وخلال محاضرة للدكتور سيمون براود الاستشاري لدى الحكومة البريطانية السابقة والمحاضر في جامعة هارفارد الأمريكية فإن العالم أنفق منذ اندلاع الأزمة المالية عام 2008 قبل أن تتحول لأزمة اقتصادية شاملة ما يراوح بين سبعة إلى عشرة تريليونات دولار لمساعدة أسواق المال العالمية على تفادي الانهيار التام، وهذا تم بالفعل لكن الشفاء لم يحدث بشكل يدعو إلى التخلي عن برنامج التيسير الكمي"، متوقعاً أن الأمر لن يزيد على 11 شهرا أخرى وسيقوم "الفيدرالي الأمريكي" بالعودة مجددا إلى تطبيق المرحلة الرابعة من هذا التيسير الكمي.
    ويتخوف البعض من وجهة النظر تلك، من منطلق أن العودة لمرحلة رابعة من التيسير الكمي بعد أقل من عام، ستتزامن مع ارتفاع في أسعار الفائدة المصرفية في أمريكا، وهذا يعني ضرورة أن يضخ "الفيدرالي الأمريكي" مبالغ مالية أكبر مما ضخ في المرحلة الثالثة، وسيزيد ذلك من العجز المالي ويرفع معدلات التضخم وهو ما لن يؤدي فقط للإطاحة بما تحقق حتى الآن من إعادة الاقتصاد الأمريكي لوضعه الطبيعي، بل الأدهى احتمال دخول الاقتصاد مجددا في أزمة أكثر تعقيدا وعمقا من أزمة 2008 التي لم تنته بعد.

حقوق التأليف والنشر © غرفة الشرقية